السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
الحمد لله، الذي خصّـنا بعريض الجاه، حبيبه و مصطفاه، الذي ما حنّ قلبٌ إلى لقياه إلا انفتحت له أبواب المصافاه...
الّلهم صلّ و سلم على باب عطائك الأكبر، و سر تخصيصك الأفخر، صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و صحبه و تابعيه و حزبه ما دام في القلوب يُذكر...
و ساعةٌ استمعت فيها الآذان، و تشنّفت بالثناء على سيد الأكوان، و ذكر طرفٍ من شمائله، و ما خصّه به الباري في باطنه و ظاهره، لهي ساعة عطاءٍ لو فقهت القلوب كيف تستجليها...
و في ذكر الشمائل الخَلْقيّة ( الأوصاف البدنية) لحضرته شأنٌ كبيرٌ يفقهه أرباب القلوب التي تعشق الاعتلاء و الترقي..
أنّ القلوب قد جُبِلت، و الأنفس قد جبلت على التعلّق بالجمال، فإذا سُمع وصف الجمال في إمام الجمال و قطب الجمال -صلى الله عليه و سلم-ارتقت أذواق المحبّة في القلوب لتلكم الحضرة الشريفة، فأثمرت في القلب زيادةً في المحبّة، و أثمرت في النفس تشبُّـثاً بالهيئة، و أثمرت في طبع الإنسان الذي خُلق على الفطرة عُلْوِيّ المزاج يطلب الجمال للاعتلاء و لا يطلب الجمال للسقوط، أنتجت في النفوس تمييزاً بين حقيقة الجمال و بين وهمِ الجمال.
لكنّ الأنفس إذا تعشّقت أوصاف الجمال الكامل في الحبيب -صلى الله عليه و سلم-، فُطِنت عن الدنايا في تعلّقاتها بمحسوس الجمال، لأنّ محسوس الجمال إنّما خُلق ليدُلّ على خالقه...
فصل: تفسير غريب ألفاظ صفاته صلى الله عليه وسلم:
فالوضاءة: الحسن والجمال، والأبلج: الجبين المشرق المضيء، ولم يرد به الحاجب ؛ لأنها وصفته بالقرن، والثجلة، بالثاء المثلثة والجيم: عظم البطن مع استرخاء أسفله، ويروى بالنون والحاء المهملة، وهو: النحول وضعف التركيب، والإزراء: الاحتقار للشيء والتهاون به، والصعلة: صغر الرأس، ويروى: صكلة بالكاف، والصكل: منقطع الأضلاع من الخاصرة أي: ليس بأزجل عظيم البطن، ولا بشديد لحوق الجنبين ؛ بل هو كما لا تعيب صفة من صفاته -صلى الله عليه وسلم-، والوسيم: المشهور بالحسن، كأنه صار الحسن له علامة، والقسيم: الحسن قسمة الوجه، والدعج: شدة سواد العين، والأشفار: حروف الأجفان التي تلتقي عند التغميض، والشعر نابت عليها، ويقال لهذا الشعر: الأهداب، فأراد به: في شعر أشفاره، والغطط بالغين والعين: الطول، وهو بالمعجمة أشهر، ومعناه: أنها مع طولها منعطفة مثنية، وفي رواية: وطف وهو: الطول أيضا، والصحل: شبه البحة، وهو غلظ في الصوت، وفي رواية: صهل، وهو: قريب منه أيضا ؛ لأن الصهيل: صوت الفرس، وهو يصهل بشدة وقوة، والسطع: طول العنق، والكثاثة: كثرة في الالتفات واجتماع، والأزج: المتقوس الحاجبين، وقيل: طول الحاجبين ودقتهما، وسبوغهما إلى مؤخر العينين، والأقرن: المتصل أحد الحاجبين بالآخر، وسما: أي علا برأسه، وفي رواية: سما به أي: بكلامه على من حوله من جلسائه، والفصل فسرته بقولها: لا نزر ولا هذر: أي ليس كلامه بقليل لا يفهم، ولا بكثير يمل، والهذر الكثير.
وقولها: لا تقتحمه عين من قصر ، أي: لا تزدريه لقصره فتجاوزه إلى غيره ؛ بل تهابه وتقبله، والمحفود: المخدوم، والمحشود: الذي يجتمع الناس حوله، وأمصر: أحسن، والعابس: الكالح الوجه، والمفند: المنسوب إلى الجهل وقلة العقل، وفخما مفخما: عظيما معظما، والمشذب: الطويل، والعقيقة: الشعر، والعرنين: الأنف، والأقنى فيه طول ودقة أرنبته وحدب في وسطه، والشمم: ارتفاع القصبة، واستواء أعلاها، وإشراف الأرنبة قليلا، وضليع الفم أي: واسعه، والشنب في الأسنان، وهو: تحدد أطرافها، والمسربة: الشعر المستدق ما بين اللبة إلى السرة، والجيد: العنق، والدمية: الصورة، والبادن: العظيم البدن، والمتماسك: المستمسك اللحم غير مسترخ، وقوله: سواء البطن والصدر، يريد أن بطنه غير مستفيض فهو مساو لصدره، وصدره عريض فهو مساو لبطنه، وأنور المتجرد يعني: شديد بياض ما جرد عنه الثوب، ورحب الراحة: واسع الكف، والشئن: الغليظ، وقوله خمصان الأخمصين: الأخمص ما ارتفع عن الأرض من باطن القدم، أراد أن ذلك مرتفع منها، وقد روي بخلاف ذلك، وقوله مسيح القدمين: يريد ممسوح ظاهر القدمين، فالماء إذا صب عليهما مر مرا سريعا لاستوائهما وإملاسهما، وقوله: يخطو تكفؤا يريد أنه يمتد في مشيته ويمشي في رفق غير مختال، والصبب: الانحدار.
وفي صفة سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم: كان أَقْنَى العِرْنين؛ القَنا في الأنف: طوله ودِقَّة أَرْنبته مع حدَب في وسطه، والعِرْنينُ الأَنف.
صفته، صلى الله عليه وسلم: أَنه سَهْل الخَدَّين صَلْتُهُما أَي سائل الخدين غير مرتفع الوجنتين، ورَجُلٌ سَهْلُ الخُلُق.
وفي حديثه، صلى الله عليه وسلم: فوجدتُ لِيَدِه بَرْداً وريحاً كأَنما أَخْرَجَها من جُونة عطَّارٍ؛ الجُونة، بالضم: التي يُعدُّ فيها الطيبُ ويُحْرز.
صفة لونه:
عن أنس رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أزهر اللون، ليس بالأدهم و لا بالأبيض الأمهق (أي لم يكن شديد البياض والبرص )، يتلألأ نوراً ".
صفة خـدّيه:
كان صلى الله عليه وسلم صلب الخدين. وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسَلِّمُ عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده "، أخرجه ابن ماجه وقال مقبل الوادي هذا حديث صحيح
صفة عنقه ورقبته:
رقبته فيها طول، أما عنقه فكأنه جيد دمية (الجيد: هو العنق. والدمية: هي الصورة التي بولغ في تحسينها).
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: " كأن عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم إبريق فضة "، أخرجه ابن سعد في الطبقات والبيهقي.
.صفة كفيه:
كان صلى الله عليه وسلم رحب الراحة (أي واسع الكف) كفه ممتلئة لحماً، غير أنّها مع غاية ضخامتها كانت لَيِّنَة أي ناعمة. قال أنَس رضي الله عنه: "ما مَسَستُ ديباجة ولا حريرة أليَنَ من كَفِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم". وأمَّا ما ورد في روايات أخرى عن خشونة كفيه وغلاظتها، فهو محمول على ما إذا عَمِل في الجهاد أو مهنة أهله، فإنّ كفه الشريفة تصير خشنة للعارض المذكور (أي العمل) وإذا ترك رجعت إلى النعومة.
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: " صليتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجتُ معهُ فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدي أحدهم واحداً واحداً. قال: وأما أنا فمسح خدي. قال: "فوجدتُ ليده برداً أو ريحاً كأنما أخرجها من جونة عطار"، أخرجه مسلم.
صفة أصابعه:
قال هند بن أبي هالة رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سائل الأطراف، قوله ( سائل الأطراف يريد الأصابع أنها طوال ليست بمنعقدة)، أخرجه الطبراني في المعجم الكبير والترمذي في الشمائل وابن سعد في الطبقات والحاكم مختصراً والبغوي في شرح السنة والحافظ في الاصابة.
صفة صَدره:
عريض الصدر، مُمتَلِىءٌ لحماً، ليس بالسمين ولا بالنَّحيل، سواء البطن والظهر. وكان صلى الله عليه و سلم أشعر أعالي الصدر، عاري الثديين والبطن (أي لم يكن عليها شعر كثير) طويل المَسرَبَة و هو الشعر الدقيق.
ويرحم الله القائل:
فهو الذي تم معناه وصورته ثم اصطفاه حبيباً باريء النسم
فتنزه عن شريك في محاسنه فجوهر الحسن فيه غير منقسم
وقيل في شأنه صلى الله عليه وسلم أيضاً:
بلغ العلى بكمـــالـه كشف الدجى بجماله
حسنت جميع خصالـــه صـلـوا عليـه وآلـه
ورحم الله ابن الفارض حيث قال:
وعلى تفنن واصف يفنى الزمان وفيه ما لم يُوصَفِ
مسألة: من المعلوم أن النسوة قطعت أيديهم لما رأين يوسف عليه السلام إذ إنه عليه السلام أوتيَ شطر الحسن، فلماذا لم يحصل مثل هذا الأمر مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ هل يا ترى سبب ذلك أن يوسف عليه السلام كان يفوق الرسول عليه الصلاةوالسلام حُسناً وجمالاً؟
الجواب: صحيح أن يوسف عليه السلام أوتي شطر الحُسن ولكنه مع ذلك ما فاق جماله جمال وحُسن النبي صلى الله عليه وسلم. فلقد نال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صفات كمال البشر جميعاً خَلقاً وخُلُقاً، فهو أجمل الناس وأكرمهم وأشجعهم على الإطلاق وأذكاهم وأحلمهم وأعلمهم… إلخ هذا من جهة، ومن جهة أخرى وكما مر معنا سابقاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلوه الوقار والهيبة من عظمة النور الذي كلَّله الله تعالى به، فكان الصحابة إذا جلسوا مع النبي صلى الله عليه وسلم كأن على رؤوسهم الطير من الهيبة والإجلال فالطير تقف على الشيء الثابت الذي لا يتحرك.
وما كان كبار الصحابة يستطيعون أن ينظروا في وجهه ويصفوه لنا لشدة الهيبة والإجلال الذي كان يملأ قلوبهم وإنما وصفه لنا صغار الصحابة، ولهذا السبب لم يحصل ما حصل مع يوسف عليه السلام.